وان ثري| بوابة الرياضة المصرية : نبيل عمر يكتب... تساؤلات الاهلي وبلطجة مرتضي (طباعة)
نبيل عمر يكتب... تساؤلات الاهلي وبلطجة مرتضي
آخر تحديث: السبت 27/06/2020 11:45 ص
بالرغم من قيود كورونا والإجراءات الصارمة للوقاية، إلا أن الظروف أحيانًا تجبر المرء على السفر، فالواجب فى العرف المصرى لا يمنعه إلا الشديد القوى: الموت والمرض.

وقبل أيام كنت فى قريتنا فى عزاء بالكمامات وسط النهار، وأدهشنى أن يتسلل شاب فى العشرينات ويترك كل شىء ويسألنى: هل رفع الحصانة عيب أو حرام؟، وما هو البديل لمعرفة الحق من الباطل؟

قلت باقتضاب: ليس هذا وقته، والموضوع يطول شرحه.

وأخذت سيارتى عائدًا إلى القاهرة، ومن عاداتى أن أسير موازيًا للريَّاح المنوفى، شكل النهر والأشجار على جانبيه والبيوت الواطئة المتناثرة فى الغيطان، يريح النفس ويغسلها من ملوثات المدينة، وقفز سؤال الشاب إلى ذهنى.

طبعًا هو يقصد طلبات رفع الحصانة المقدمة من مجلس إدارة الأهلى عن النائب مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك، وسؤاله صحيح وجاد، يعبر عن حيرة ملايين مثله سواء المؤيدون لرفع الحصانة أو الرافضون لرفعها، وإلا ما اهتم به ونحن وقوف فى المقابر.

وفى الواقع لا يملك إجابة هذا السؤال إلا الدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، وأعضاء اللجنة التشريعية والدستورية، وهو سؤال حتمى، فلسنا أمام قضية عادية، أو معاندة بين جماهير الأهلى والزمالك، وإنما «اتهامات بالفساد» تمس مشاعر عشرات الملايين من المصريين هم من أعضاء النادى الأهلى وجماهيره، ولا نستوعب ولا نتصور أن تُترك هذه الاتهامات دون حسم: هل هى صحيحة أم غير صحيحة؟

الأهلى ليس شركة أو هيئة أو جمعية أو وكالة، وليس مجرد فريق كرة قدم وبطولات وكؤوس، الأهلى مؤسسة رياضية اجتماعية كبرى فى الدولة المصرية، مؤسسة تضم مئات الآلاف من المصريين الأعضاء فيها، وظائف رفيعة ومناصب مرموقة فى الطب والهندسة والقضاء والتجارة والزراعة والصناعة والثقافة والرياضة والإعلام.. إلخ، ولا يقبلون اتهامات طائرة على رؤوس أعضاء مجلس الإدارة، الذى يدير أصولًا قيمتها تقارب ميزانية دولة صغيرة.

ومن حق السيد مرتضى منصور بحكم عضويته فى مجلس النواب، أن يدافع عن النزاهة ويحمى المال العام، وعليه أن يهرع إلى المحكمة حاملًا ملفًا متكاملًا بالوقائع والوثائق والأدلة التى استند إليها فى اتهاماته لرئيس الأهلى وأعضاء مجلس إدارته.

أولًا: ليثبت أنه لا يلقى الكلام على عواهنه، فترتفع مصداقيته أمام الشعب الذى يمثله.

ثانيًا: يُحاسب مجلس إدارة الأهلى لو ثبتت صحة هذه الاتهامات، مثالًا عمليًا على عدم سكوت الدولة على أى فساد أيًا كان من يرتكبه.

والسؤال الخبيث هنا: ولماذا لا يرفع مجلس النواب الحصانة عن السيد مرتضى منصور ليقدم الوثائق التى يملكها للنيابة العامة؟

رفض رفع الحصانة أكثر من مرة «عمل» لا يصب فى مصلحة البرلمان جهازًا رقابيًا ولا السيد مرتضى مدعيًا ولا أعضاء الأهلى وجماهيره ومجلس إدارته مدعيًا عليهم.

وقطعًا لا يستسيغ كثير من المصريين وصف «شكوى كيدية» حصنًا تتكسر عليه طلبات رفع الحصانة، لأن الوصف غامض جدًا ويمكن تأويله على ألف معنى نصفها مُسىء، صحيح أن حق البرلمان حماية أعضائه من الشكاوى الكيدية التى تعطل عضو البرلمان عن أداء وظيفته، لكن هذه قضية وليست خناقة شخصية تلعب فيها الكيدية دورًا فى التضليل والتشهير، والتى قد نقبلها على مضض فى رفض البرلمان لطلبات من السيد ممدوح عباس أو السيد أحمد سليمان وغيرهما، بسبب الخلافات العنيفة بين الأشخاص.

لكن أعضاء مجلس إدارة الأهلى لم يعودوا أشخاصًا كلًا بمفرده، وإنما صاروا شخصية اعتبارية يمثلون كيانًا اعتباريًا له ثقل فى المجتمع المصرى، ولا تنطبق عليهم صفة الكيدية بأى شكل من الأشكال، حتى لو لَوّثَ الأوراق تراشق بالكلمات التى تؤذى النفس السوية ويجرمها القانون.

وأكرر، عدم رفع الحصانة يمنع السيد مرتضى من إشهار أدلته ووثائقه أمام النيابة العامة، وإن كان بيان الأهلى الأخير إلى الدكتور على عبدالعال رئيس البرلمان يثبت أنهم مصرون على إظهار براءة أعضاء مجلس الإدارة أمام الرأى العام من اتهامات ألقيت عليهم من أى طرف، لأن بيانهم يحمل خمسة تساؤلات: لماذا الإصرار على عدم رفع الحصانة؟، لماذا لم يعد أفراد الشعب المصرى أمام القانون على حد سواء؟، هل يحق لبقية أفراد الشعب التعقيب على أحكام القضاء؟، هل من حق أفراد الشعب التشكيك فى نزاهة الأجهزة الرقابية؟، هل بات مسموحًا العبث بالأسر والعائلات المصرية والاستهانة بمؤسسات الدولة؟

خمسة تساؤلات فى غاية الأهمية، لا يجوز أن يهمل مجلس النواب الإجابة عنها علنًا وهو يقترب من ختام دورته الأولى بعد ثورة ٣٠ يونيو، إجابات حاسمة تمس قلب مصر ونبضها، وعليه ألا يغلق أبوابها دون أن يأتى شىء فاصل يتذكره به المصريون.
المدهش أن لائحة مجلس النواب الداخلية ترفع عنه الحرج، وهى تنظم إجراءات رفع الحصانة وشروطها، وحددتها المادة ٣٥٧:
أولًا: أن يكون الطلب مقدمًا من إحدى الجهات القضائية: النائب العام أو المدعى العسكرى حسب الأحوال، ثانيًا: أن يتضمن الوقائع المنسوبة للعضو والمواد المؤثمة لها، ثالثًا: رقم القضية المقيدة ضد العضو وما اتخذ فيها من إجراءات فى مواجهة الغير، مصحوبة بصورة من أوراقها ومستنداتها.

وأى دارس للقانون قد يلاحظ توافر هذه الشروط فى طلب الأهلى، أو طلب النيابة العامة السابق بناء على بلاغ الأهلى مصحوبًا بالتسجيلات التى تبين سبب البلاغ.

لكن مجلس النواب رفض الاستجابة لطلب النائب العام، ولم يرد على طلب النادى الأهلى ووصف الطلب بأنه «شكوى كيدية».

تقول المادة ٣٦١ من اللائحة الداخلية: لا تنظر اللجنة الدستورية والتشريعية ولا المجلس فى توافر الأدلة أو عدم توافرها للإدانة فى موضوع الاتهام الجنائى أو التأديبى أو فى الدعوى المباشرة من الوجهة القضائية، ويقتصر البحث على مدى كيدية الادعاء أو الدعوى أو الإجراء، والتحقق مما إذا كان يقصد بأى منها منع العضو من أداء مسئولياته البرلمانية بالمجلس.

وطبعًا إذا انتفى قصد تعطيل العضو عن أداء دوره النيابى تقول المادة بوضوح: يؤذن دائمًا باتخاذ الإجراءات.

فلماذا لا يفعل المجلس؟، وما رده أمام الرأى العام عن تساؤلات الأهلى الخمسة؟

والأهم للعبد لله: ماذا أقول للشاب فى قريتى حين أعود إليها بعد عشرة أيام؟